الاستقرار و الفوضى

نحن مثل العناصر، نحمل في داخلنا شحناتٍ من الفوضى، من الرغبات المشتعلة، ومن الأحلام التي تتأرجح بين الاشتعال والانطفاء. نحن الكترونات تبحث عن مدارها في أنوية الذرات، عن من يمنحها التوازن وسط عالمٍ من التفاعلات، حيث لا شيء يبقى على حاله، وحيث أدنى لمسةٍ قد تشعل احتراقًا أو تمنح خلاصًا

حتى الكلور، ذلك العنصر المتمرّد، السامّ، الذي يحرق الهواء بوجوده، حين يلتقي بالصوديوم، ذلك المشاغب المشتعل، لا يشتعلان معًا، لا يُدمّران بعضهما، بل يتحولان إلى شيءٍ وادع، إلى ملحٍ يذوب في الماء، يختفي فيه، لكنه يمنحه طعمه، روحه، سرّه الذي لا يُرى ولكن لا يمكن إنكاره. كأنّ التفاعل الصحيح لا يُغيّر ماهيّتنا، بل يكشف حقيقتنا التي لم نكن ندركها، يمنحنا سببًا للبقاء لا كمجرّد ذراتٍ تائهة، بل كجزءٍ من شيءٍ أعظم، شيءٍ لا يُكتمَل إلا بنا

حتى العناصر المتفجرة، تلك التي تشتعل عند أول لمسة، يمكن أن تهدأ، يمكن أن تستقر، يمكن أن تصبح شيئًا قابلاً للإمساك به دون خوف، إذا وجدت العنصر الذي يعرف كيف يلامسها دون أن يوقظ العاصفة في داخلها. الأمر ليس في الاحتواء فقط، بل في الفهم، في إدراك أن بعض الطاقات لا تُطفأ بالقوة، بل تُهدّأ بالطمأنينة، بأن تجد من يقرأ اضطرابها دون أن يخاف منه، من يترك لها مساحتها دون أن ينسحب، من يمسكها دون أن يحاول امتلاكها

نحن أيضًا، قد نحمل في داخلنا ما يخيف، زوايا حادّة كالشظايا، شحناتٍ زائدة تُبعد الآخرين، تردّدًا يشبه الحوافّ المكسورة في زجاج نافذةٍ أرهقها الشتاء. لكننا لا نحتاج إلى من يخاف اقترابنا، بل إلى من يلمسنا دون أن ينكسر، من يحوّل حدّتنا إلى شيءٍ ناعمٍ دون أن يُمحينا، من يُعيد ترتيب ذراتنا، ليس ليغيّرنا، بل ليمنحنا لحظة أمان، ليمنحنا ذلك الإحساس العميق بأننا، بعد كلّ هذا الضياع، وجدنا أخيرًا معادلتنا الصحيحة، تفاعلنا الذي لا يُطفئنا ولا يُشعلنا، بل يجعلنا نتوهّج بهدوء، بكامل الاكتمال. نحن كالمعادلات التي لم تكتمل، ننتظر لحظة التفاعل التي تمنحنا توازننا. هناك من يمرُّ بنا كعنصرٍ خامل، لا يغيّر فينا شيئًا، وهناك من يكون كالشرارة، يشعل في داخلنا شيئًا لم يكن يومًا قابلًا للاشتعال. لكن قلائل هم الذين يمنحوننا ذلك التفاعل العميق، الذين يجعلوننا نشعر بأننا أخيرًا في حالةٍ من الاتزان، لا ناقصين ولا فائضين عن الحاجة، بل تمامًا كما يجب أن نكون

مهما ادّعينا القوة، مهما قلنا إننا مكتفون بأنفسنا، سنبقى نبحث عن ذلك الحضور الذي يطمئن قلوبنا، عن تلك العلاقة التي تشبه تفاعل الصوديوم والكلور، حيث لا أحد يحاول تغيير الآخر، بل كلّ منهما يمنح الآخر سببًا ليصبح أكثر استقرارًا. فبعض الأرواح تأتي لا لتستهلكنا، بل لتجعلنا أكثر وضوحًا، أكثر فهمًا لأنفسنا، أكثر تصالحًا مع كلّ ما في داخلنا من تناقضات. وفي نهاية الأمر، كل شيءٍ في هذا الكون يتفاعل ليجد نقطة توازنه، ونحن، مهما ظننا أننا نعرف أنفسنا، لن نكتشف حقيقتنا إلا حين نجد من يتفاعل معنا بالشكل الصحيح، وحينها فقط… سنعرف أننا أخيرًا، مستقرون

Filled Under: General, Thoughts

إدمان التفاصيل لعنة

تخيل أن تقضي يومًا كاملًا، حزينًا، متكئًا على نافذة روحك، تراقب الغروب ولا ترى سوى الظلال الباهتة للأمس، فقط لأن نبرة أحدهم تغيرت حين ناداك. كلمةٌ عابرة فقدت دفئها، تحية لم تحمل تلك الرجفة التي كنتَ وحدك تفهمها، صمته الذي لم يكن صمتًا عاديًا بل انسحابًا خفيًا من شيء لم يُقال. أن تكون ممن يقرأون الفواصل أكثر مما يقرأون الجمل، ممن يسمعون الفراغ بين الكلمات أعلى من الكلمات ذاتها، فتلك لعنة لا شفاء منها، لعنة التعلق بالتفاصيل، الغرق في اللاشيء حتى يصبح كل شيء

إنها مأساة أولئك الذين لا يمرّون بالعالم كالعابرين، بل يسكنونه، يلمسونه بأرواحهم قبل أيديهم، يحيون في قلب اللحظة كأنها أبد، ولا يملكون خفة النسيان. نحن الذين لا نعيش العلاقات كقصة قصيرة عابرة، بل كأبجديات كاملة، بحروفها ووقفاتها ونقاطها المفقودة. نحن الذين نحفظ شكل شفتيه وهو يتحدث بحماسة، انحناءة كتفيه حين يتعب، التردد الطفيف في صوته قبل أن يعترف بشيء يخجل منه. كيف يجفل عندما يتفاجأ، كيف يشبك أصابعه حين يكون قلقًا، كيف تتسع عيناه عندما يرى شيئًا يحبه؟ كل تفصيلة، كل ارتعاشة، كل لحظة، تصبح خيطًا غير مرئي يربطنا بهم حتى عندما يرحلون، حتى عندما لا يعودون نفس الأشخاص الذين عرفناهم

أي قدر هذا الذي يعلقنا باللحظات الهاربة؟ أن تبقى هناك، في مكان لم يعد موجودًا، في زمان قد مضى، في ذكرى لم يعد يتذكرها سواك. أن تحمل على كتفيك الأحاديث القديمة، تقرأ الرسائل ذاتها مرارًا، تبحث عن تلك الجملة التي تغيرت فجأة ولم تفهم لماذا. أن تتحسس ثقل الفراغ الذي تركوه في نبرة صوتهم، أن تدرك أن ثمة شيئًا ينطفئ بينكما قبل أن يعترفوا هم بذلك

وهكذا، نمضي، محاصرين بالأسئلة التي لن تُجاب، بالأصوات التي لن تتكرر، بالموسيقى التي كانت في ضحكاتهم ولم نعد نسمعها. كل لمسة، كل حرف، كل مرة نادانا فيها باسمنا، كل نظرة خبأت خلفها وعدًا سريًا ثم تبخرت… كيف نكمل الحياة بعد ذلك؟ كيف نعيش في عالم لا يزال صداهم يتردد فيه، لكنه يخلو منهم؟

أن تكون مدمنًا على التفاصيل يعني أن تظل عاشقًا حتى بعد أن يذبل الحب، أن تبقى ممسكًا بأطراف الذكرى فيما هم ينسحبون منها بخفة، أن تحفظ صوتهم في قلبك كما يحفظ البحر همسات الموج حتى بعد أن يتكسر على الصخور

أن تكون مدمنًا على التفاصيل… يعني أن تحب حتى الفناء، حتى تصبح كل الأشياء البسيطة أوتارًا تُعزف في روحك دون أن تسمعها أحد، حتى تتحول الذكرى إلى وطن، والوطن إلى وهم، والوهم إلى يقين لا فكاك منه

لا تبحث عن الدواء في يد من جرحك

لا تذهب لمن أذاك متوسلًا تفسيرًا أو بحثًا عن عزاء، فهو ليس سوى سرابٍ لن يرتوي منه ظمأ قلبك. لا تنتظر من اليد التي دفعتك نحو الهاوية أن تمتد لانتشالك، ولا من العين التي رأتك تتألم دون أن ترفّ أن تذرف عليك دمعة ندم. بعض القلوب خُلقت من صخر، لا تهتز صدمةً، ولا تلين رجاءً، ولا تشعر سوى بنفسها

ستظن أنك بحاجة إلى حديث أخير، إلى مواجهة تُعيد إليك بعضًا مما سُلب منك، إلى تفسير يمسح الضباب عن روحك، لكن الحقيقة القاسية أن ما تبحث عنه لن تجده عند من أوجعك. سيُشعرك أن الألم لم يكن إلا من نسج خيالك، أن الجرح لم يكن إلا وهْمًا، وسيقنعك أنك أنت المخطئ لأنك سمحت لنفسك أن تتأذى. سيختصر قصتك معه في جملةٍ باردة، وسيمضي دون أن يلتفت إلى الحطام الذي تركه خلفه

وستقف وحدك، مرةً أخرى، لكن هذه المرة لن يكون الجرح هو الذي يؤلمك فقط، بل صدمة أن من أذنب في حقك لا يراك سوى صفحةٍ طواها بلا اكتراث. ستفهم حينها أن بعض الناس لا يعترفون بآثار أقدامهم فوق القلوب، وأن البعض يمضي وكأنك لم تكن يومًا جزءًا من طريقه، وكأن الوعود التي قيلت لم تكن سوى كلماتٍ في مهبّ الريح

لكن الحقيقة الأهم، أنك لست بحاجة إلى اعترافٍ منهم كي تبرأ. الشفاء لا يكون باعتذارٍ يُلقى على استحياء، ولا بكلماتٍ تُقال بعد أن تفقد قيمتها. الشفاء هو أن تدرك أن بعض الجروح لا تحتاج لمن يداويها، بل لمن يتركها تلتئم وحدها، بعيدًا عن اليد التي سببتها

لا تبحث عن العدالة في قلبٍ لم يعرف سوى الجفاء، ولا عن المواساة في عينٍ لم تتعلم سوى التحديق في انعكاسها. أنت الدواء، وأنت العزاء، وأنت اليد التي ستربّت على كتفك عندما يتركك الجميع. لن يعود الماضي ليعتذر، ولن يتحول القاسي إلى حنونٍ من أجل دمعةٍ سقطت من عينك، لكنك ستنجو، لأن النجاة قدر من امتلك الشجاعة أن يُغلق الأبواب خلفه دون أن ينتظر فتحها من جديد

فامضِ، ولا تلتفت. لا تبحث عن الرحمة حيث لا تُزرع، ولا عن الدواء في يد من كان داءك

خذها قاعدةً لا تقبل الشك
عُمر الذي أذاك، ما كان يومًا ليكون دواك

صبر

لم يعد لديّ صبر على العلاقات التي تُستنزف فيها روحي دون مقابل، على الأحاديث المكررة التي لا تحمل عمقًا، على الوجوه التي تبتسم بغير صدق، والكلمات التي تُقال بلا إحساس. لم أعد أجد لذةً في مجاملة لا تعنيني، ولا في محاولات إرضاء من لا يهمني رضاهم. لم أعد أخشى خسارة من لا يخشى خسارتي، ولم أعد أركض خلف من لا يلتفت لي

لقد تعبت من تبرير غيابي لمن لا يسأل، ومن تفسير مشاعري لمن لا يهتم، ومن وضع نفسي في أماكن لم أعد أشعر بالانتماء إليها. تعبت من الانتظار على أبواب القلوب المغلقة، ومن مدّ يدي لمن لا يعرف كيف يمسكها. تعبت من العلاقات التي تستهلكني بدل أن تحتويني، ومن الوعود التي لا تأتي إلا متأخرة، حين يصبح الإحساس بها باهتًا، وكأنها لم تكن

أنا لا أريد حبًا يحتاج إلى إثبات مستمر، ولا اهتمامًا مشروطًا بمزاج الآخر. لا أريد أن أتعلّق بأحد ثم أضطر لاحقًا إلى فكّ أصابعي عنه بصعوبة، وكأنني أُجرّد نفسي من جزء مني. لا أريد أن أكون خيارًا ثانيًا، ولا فكرة مؤجلة، ولا اسمًا يُذكر فقط عند الحاجة

لقد وصلت إلى تلك المرحلة من الحياة التي أدركت فيها أن الوقت أغلى من أن يُنفق على من لا يُقدّره، وأن الصبر طاقة لا تُمنح إلا لمن يستحقها. لم يعد في قلبي متسع لمن يتلاعب بالمشاعر، لمن يمارس الغياب عمدًا، لمن يبيع الوهم على هيئة وعود كاذبة. لا أريد أن أقضي أيامًا أخرى في تفسير أفعالي لمن لا يفهمني، ولا أن أُبرّر إحساسي لمن لم يشعر بي يومًا

أنا الآن أبحث عن البساطة، عن النقاء، عن العلاقات التي لا تُشعرني أنني في معركة يومية للحفاظ عليها. أبحث عن الأحاديث التي تلامس روحي، عن العيون التي تقول الحقيقة دون خوف، عن الحب الذي لا يُشعرني بالحيرة. أريد ذلك الدفء الذي يأتي بلا حسابات، ذلك الحضور الذي لا يحتاج إلى تأكيد، تلك الطمأنينة التي تأتي من معرفة أنني في قلب أحدهم دون أن أضطر إلى السؤال كل مرة

لم أعد أطيق التظاهر، ولا أنصاف المشاعر، ولا اللحظات التي تُشعرني بأنني غريبة وسط من يُفترض أنهم قريبون. لم أعد أريد أن أكون قوية دائمًا، ولا أن أكتم خوفي، ولا أن أخفي حزني حتى لا أبدو ضعيفة. أريد أن أكون أنا، بكل ما فيّ من شغف، بكل ما فيّ من حاجة لأن أُحب وأُحَب، بكل ما فيّ من رغبة في أن أجد الحب الذي لا يخاف أن يكون واضحًا، الذي لا يخشى أن يكون حاضرًا

إنني لم أصبح مغرورة، لكنني أصبحت أكثر انتقائية. لم أعد أفتح أبوابي للجميع، ولم أعد أخشى الوحدة كما كنت أفعل. الوحدة الحقيقية ليست في غياب الآخرين، بل في وجودهم دون إحساس، في بقائهم دون دفء، في امتلاء الحياة بالضجيج بينما القلب خالٍ من أي صدى حقيقي

تعلمت أن الحياة قصيرة، وأنني لن أهدر لحظة أخرى مع من لا يستحق وجودي. من يريد أن يكون هنا، فليكن بحبٍ واضح، بصدقٍ كامل، بدون ألعاب، بدون أعذار، بدون وجوه مزدوجة. ومن لا يستطيع، فله طريقه، ولي طريقي، ولن ألتفت خلفي

أنا اليوم أكثر هدوءًا، أكثر راحة، أكثر قناعة بأن الحب ليس ركضًا خلف أحد، ولا الصداقة تكلّفًا، ولا الاحترام اختيارًا. أنا اليوم أقرب إلى نفسي، وهذا أكثر من كافٍ

…عشانك

في الحب، هناك كلمات تُقال لأنها ضرورية للحوار، وهناك كلمات تُقال لأنها ضرورية للحياة. عشانك ليست جملة عابرة، إنها حالة وجدانية كاملة، اعتراف غير مباشر بأنك تستحق، بأنك لست عابرًا في حياة أحدهم، بل جزء لا يكتمل العالم دونه. أن تسمعها يعني أن هناك من يراك، من يشعر بوجودك بطريقة تتجاوز الكلمات، من يجد فيك سببًا كافيًا ليغيّر عاداته، ليؤجل مواعيده، ليعيد ترتيب يومه، ليخطط للمستقبل واضعًا اسمك في منتصفه

ليست كل الكلمات متساوية. هناك كلمات تُقال لأن العادة تفرضها، وهناك كلمات تُقال لأنها جزء من كيان قائلها. “تصبح على خير”، “كيف كان يومك؟”، “اعتني بنفسك”… أحيانًا تكون مجرد ألفاظ، وأحيانًا تكون حبًا متخفيًا في جمل يومية. لكن “عشانك”، هذه الكلمة لا تُقال بلا إحساس، لا يمكن أن ينطقها أحد دون أن يكون لها أثر على حياته، دون أن يكون قد أعاد حساباته مرة، وقرر أن يمنحك جزءًا من وقته، من أفكاره، من روحه، بلا تردد

أن يقول لك أحدهم: “ما كنت ناوي أجي، بس أجيت عشانك”، “كنت تعبان بس سهرت معك عشانك”، “مشيت كل هالمسافة بس عشانك”، هي أشياء قد تبدو صغيرة، لكنها في الحقيقة أعمدة يبنى عليها الحب. لأن الحب ليس بالهدايا الغالية، ولا بالوعود المبهرة، الحب هو المسافات التي يُقطع بعضها لأجلك، الوقت الذي يُقتطع من أجل وجودك، التضحية بالأشياء البسيطة التي تبدو غير مهمة لكنها تحمل كل المعاني

أجمل أنواع الحب هي التي لا تحتاج إلى إعلان، التي تتسرب إليك عبر المواقف لا الكلمات، التي تجعلك تشعر أنك لست وحدك في هذا العالم، أن هناك من سيكون موجودًا إن احتجته، دون أن تطلب منه، دون أن يكون مضطرًا، بل لأنه يريد ذلك، لأنه يراك بطريقة لا يراك بها أحد

عشانك كلمة تختصر الحب كله، هي كل التضحيات الصامتة، كل الرسائل المرسلة دون مناسبة، كل المرات التي غيّر فيها أحدهم خططه دون أن يخبرك، فقط لتبقى سعيدًا. لهذا، حافظ على من يقولها لك دون أن تطلبها، من يمنحها لك بصوت صادق، لا كمجاملة، لا كواجب، بل كحقيقة يشعر بها. لأن الحب الصادق لا يُطلب، ولا يُفرض، الحب الصادق دائمًا يُمنح… ببساطة، عشانك

Whispers of the Emerald City

Clara fell in love with Seattle long before she ever set foot in it. She was nine years old, curled up on her mother’s couch in Southern California, her dark curls damp from her evening bath, her oversized pajamas swallowing her small frame. The TV flickered, illuminating the living room with a dreamy glow as Sleepless in Seattle played. She didn’t understand all of it—just that love, the real kind, the forever kind, was waiting somewhere in that city, wrapped in fog and fairy lights, hidden in the melody of ferry horns and the hum of rain against windowpanes.

She watched Meg Ryan’s character, Annie, chase a love she had never even touched, and she believed in it. She believed in magic, in fate, in something larger than life. The city, in all its cinematic wonder, felt like a love letter written just for her.

Years passed, and Clara found herself drawn back to Seattle in the most unexpected of ways—through a television screen once more. This time, it was Grey’s Anatomy. She was eighteen, sprawled across her bed, the glow of her laptop screen reflecting in her wide, brown eyes as she watched Derek Shepherd stand on the ferry dock, his hair tousled by the wind, the city skyline painting the background. He talked about the way the water made him feel, the peace it gave him, and Clara felt it, too.

Seattle wasn’t just a place. It was a feeling. A whisper in her bones. A dream that refused to fade.

She promised herself that one day, she would stand on that very dock. She would breathe in the crisp, rain-scented air. She would belong to the city the way she had always felt it belonged to her.

And then, years later, she did. But not in the way she had imagined.

It wasn’t fate or magic that brought her to Seattle. It was love—at least, she thought it was. A boy with stormy eyes and a voice that made her stomach flip. Alex. He was smart. And Clara had always liked smart men. She had always cared for the brain more than the looks, drawn to deep, long conversations, the kind that made her Google something after. Intelligence and wit went a long way with her, and Alex had both.

She met him in a coffee shop in Los Angeles, a place where love stories should begin. He was reading a book on astrophysics, and when she asked about it, he spent the next hour explaining black holes to her in a way that made her heart race. Not because of the topic itself, but because of the way his mind worked, the way his passion spilled into his words. She was hooked.

They fell hard, fast. The way only hopeless romantics do. When he asked her to marry him, to start a life together in the city she had always dreamed of, she didn’t hesitate. She packed her life into boxes, kissed her mother goodbye, and chased love into the unknown.

But Seattle, as it turned out, was the love story she had been waiting for all along.

The city welcomed her like an old friend. The rain kissed her skin like it had been waiting for her. The piers, the skyline, the hidden alleyways—each one became a part of her, like a heartbeat she hadn’t known she was missing. She walked through Pike Place Market, inhaling the mingling scents of coffee and saltwater, watching the street musicians play songs she didn’t recognize but somehow still felt like home. She stood at Kerry Park at dusk, watching the city light up like a pulse, and she knew. She knew she belonged here.

Alex was her world, and for a while, Seattle was their playground. They spent rainy Sundays in bookstores, sharing quiet moments between the pages of old novels. They spent nights in candlelit restaurants, engaging in conversations that stretched for hours, conversations that challenged her mind and fed her soul. She had never felt so intellectually alive, so connected to another person.

One autumn afternoon, they rode the ferry to Bainbridge Island, her head resting on his shoulder as the cold wind whipped around them. “This is perfect,” she whispered. He kissed her temple and held her tighter.

One winter night, they ran through downtown as snowflakes drifted from the sky, her laughter echoing against the buildings. He spun her in the middle of the street, under the glow of twinkling lights. “You’re my greatest adventure,” he told her.

But love—the kind that had brought her here—wasn’t as kind as the city.

She saw the cracks before she wanted to. The way his words became sharp, the way his presence felt more like a shadow than a warmth. He loved her, but not in the way she needed to be loved. Not in the way Seattle did.

She held on longer than she should have. Because she was a believer. Because she had given up everything for him. Because she thought that love, real love, was supposed to be fought for.

Until she realized she was fighting alone.

The day she left, it rained. Not a storm, not a downpour—just a steady, quiet drizzle. As if the city itself was telling her it understood. She packed up her things, her daughters’ tiny shoes and soft blankets, and she walked away. Not from Seattle. Just from him.

She built a life on her own. A life of ferry rides with her girls, of mornings spent wrapped in thick sweaters, watching the mist roll over the water. She found peace in the way the streets glistened after the rain, in the sound of seagulls calling over the Puget Sound, in the way the skyline stood unwavering against the changing seasons.

One evening, she found herself on Alki Beach, the salty breeze tangling in her dark hair. The waves shimmered under the city lights, the scent of salt and pine filling her lungs. Her daughters were asleep at home, safe, warm, loved. And she was here, alone, but not lonely. The city stretched before her, a sea of golden lights reflected in the water, a place that had once been just a dream in a little girl’s heart.

She had chased love to Seattle, only to realize that Seattle had been her love story all along.

And that was enough.

Filled Under: General, Story Time

عيد الأوفياء

ما أكثر العشاق في هذا العالم، وما أقل الأوفياء! العشاق يملأون الطرقات، يتناثرون كأزهار الربيع، يهمسون بوعودٍ جميلة، يعقدون العهود فوق شرفات الغروب، ثم يذوب كثيرٌ منهم مع أول ريحٍ باردة، مع أول اختبارٍ للحب، مع أول خلافٍ يُشعل المسافات بينهم. أما الأوفياء، فهم نادرون كحبات المطر في صيفٍ قاحل، كقمرٍ لا يفقد ضوءه مهما أرهقته العتمة، كبحرٍ لا يخذل شواطئه مهما ابتعدت عنه السفن

نحن لا نحتاج إلى عيدٍ للعشاق، فالعشق كثير، لكنه هشٌّ كزجاج النوافذ في مواجهة الريح. نحن نحتاج إلى عيدٍ لأولئك الذين ظلّوا رغم كل شيء، الذين لم يغيّرهم الوقت، ولم تُطفئهم المسافات، ولم تهزمهم الأيام. نحتاج عيدًا لأولئك الذين آمنوا أن الحب ليس لحظة نشوةٍ تنطفئ، بل جذورٌ تضرب في الأرض وتمتد، مهما حاولت الرياح اقتلاعها

في زمنٍ باتت فيه المشاعر مُعلّبة، والعلاقات تُباع بأرخص الأثمان، والوعود تُقال على عجلٍ ثم تتناثر مع الريح، نحتاج عيدًا يُحتفى فيه بمن حملوا قلوبهم كالأمانات، بمن لم يتغيروا رغم تغيّر الأيام، بمن لم يجعلوا الحب صفحةً تُطوى في نهاية الرواية، بل جعلوه كتابًا مفتوحًا على الأبدية

أين عيدُ الذين لم يخذلونا؟ أين عيدُ من كانوا حضنًا دافئًا حين بردت الحياة، ومن كانوا عكازًا حين اشتدّت بنا العواصف، ومن ظلّت عيونهم نوافذ مضيئة في ليالي الغياب؟ أين عيدُ من لم يغلقوا الباب حين أغلقتها الدنيا في وجوهنا، ومن لم يلتفتوا إلى غيرنا رغم كثرة الإغراءات؟

الحبّ ليس مجرد نظراتٍ عابرة، وليس هدايا ملفوفة بورقٍ فاخر، ولا رسائل عذبة تنتهي بنقطة. الحبّ هو أن تكون هناك، دائمًا وأبدًا، رغم البعد، رغم المشكلات، رغم العثرات، رغم الحياة بكلّ ما فيها من جنون. الحبّ أن تبقى، ولو كان البقاء مُرهقًا، ولو كان الطريق طويلاً، ولو صار القلب مدينةً يسكنها التعب

فلا تحدّثوني عن عيدِ العشاق، بل حدّثوني عن عيدٍ للذين لم يتركوا أيدينا حين احتجنا إليهم، عن عيدٍ لمن كانوا نجمًا في سماء العمر، لا يرحلون حتى لو اختفت الشمس. حدّثوني عن عيدٍ لأولئك الذين لم يخذلوا، ولم يخونوا، ولم يتغيّروا، وبقوا كما هم، رغم كل شيء

تعلّموا الوفاء أولًا، ثم اصنعوا للحب عيدًا

Filled Under: General

The Death of Sovereignty – Gaza Will Never Fall

For decades, the world has watched as Palestine has been stripped of its land, its history rewritten, its people displaced, imprisoned, and massacred. Politicians gather in lavish halls, speaking the language of diplomacy, but their words are nothing more than an elaborate smokescreen for betrayal. They do not negotiate peace—they orchestrate the theft of a homeland.

The latest meeting between Donald Trump and Benjamin Netanyahu was not a discussion between world leaders. It was an execution order. A declaration that Palestine is no longer a cause, but a commodity to be traded, its people nothing more than an obstacle to be removed. This was not politics. This was the public burial of Palestinian sovereignty, a reminder that colonialism did not die—it simply evolved.

Trump, the embodiment of Western arrogance, hosted Netanyahu not as a foreign leader, but as a partner in crime. This was not an alliance—it was an empire solidifying its grip over stolen land. Israel, emboldened by decades of impunity, was being reassured yet again: it can bomb, displace, and slaughter, and the world will look away. The White House doors were not opened for peace—they were opened to reaffirm Israel’s position as the untouchable enforcer of oppression.

Netanyahu, ever the warmonger, turned to Trump and spoke with the confidence of a man who knows there will be no consequences. If this is what you’ve done in two weeks, what will you do in four years? It was not a question. It was a challenge. A promise that the worst was yet to come.

And then, with the cold detachment of a man signing off on genocide, Trump delivered the pronouncement: The people of Gaza were just unlucky to be born there.

As if occupation were an accident.
As if ethnic cleansing were a misfortune rather than a calculated crime.
As if the children buried beneath rubble had merely drawn the wrong number in a cruel lottery of fate.

And then came the ultimate betrayal. The final solution, packaged as policy. Relocation. A polite word for forced exile, for erasing a people from their land. Palestinians, stripped of their homes, would be scattered, exiled, banished. Jordan and Egypt, they said, would take them in. A new life, they claimed, one without suffering. But the suffering does not come from the land—it comes from the occupier.

Gaza—the unbreakable heart of Palestine—would be no more. Its streets, once filled with the laughter of children before they became the targets of drones, would be emptied. Its homes, already burned by airstrikes, would be erased. The world would be asked to forget.

And who would fund this modern-day Nakba?
Not just the U.S. Not just Israel. But Arab regimes themselves.

The same nations that drape themselves in the Palestinian flag for the cameras, that claim solidarity in speeches, would be the ones to sign the check for their displacement. Saudi Arabia will pay. The UAE will pay. Others, silent for now, will pay. They will not fund liberation—they will fund exile. They will not protect Gaza—they will erase it.

The wealth that should have been a shield for Palestine will be turned into a weapon against it. The oil money that should have fueled resistance will instead be used to fuel dispossession. Because to these regimes, Palestine is not a homeland—it is a problem they want to make disappear.

Then, as if colonialism had never ended, the final insult was delivered: America will take Gaza and rebuild it.

Rebuild it? Rebuild what? The homes that were bombed by Israeli fighter jets? The hospitals reduced to rubble by Western-backed airstrikes? The graves of children who never lived long enough to see freedom?

Gaza does not need America’s reconstruction. Gaza does not need foreign investors to develop it. Gaza needs freedom. Gaza needs an end to the blockade that has strangled its people for years. Gaza needs the right to exist, not to be rebranded as real estate for the highest bidder.

Trump, ever the colonial overlord, dismissed an Afghan journalist with a wave of his hand. I don’t understand you. Good luck in life. Live in peace.

Peace? What peace?
The peace of the grave?
The peace of exile?
The peace of silence after the last Palestinian is forced from their land?

They speak of peace, but their hands are soaked in blood. They say the word as they bomb homes, as they destroy generations, as they turn Palestine into a bargaining chip on the global stage. They repeat it like a prayer, hoping it will drown out the sound of their crimes.

But where is peace?

Is it in the miles of refugees forced to march into the unknown, their journey paid for with Arab wealth?
Is it in the children of Gaza, growing up in foreign lands, never knowing the streets where their grandparents once walked?
Is it in the maps being redrawn by men who have never stepped foot in Palestine, deciding with a pen stroke who has the right to exist?

This was not a peace summit. It was a war council. The world is not witnessing negotiations—it is witnessing the systematic dismantling of Palestine, orchestrated not just by Israel and the West, but by the very leaders who should be its defenders.

They believe they have won. They shake hands. They sign their deals. They buy silence with oil money. They erase history with contracts and signatures.

But Palestine is not a deal to be negotiated in the shadows of betrayal. It is not a land that can be sold to the highest bidder.

Palestine is the key still clutched in the hands of the grandmother who was forced from her home.
Palestine is the name whispered in the dark by a father who refuses to let his children forget where they come from.
Palestine is the unyielding spirit of Gaza, where every bomb dropped only deepens the resolve to resist.

They may believe they are writing the final chapter.

But Palestine is not a story that ends.

Palestine is the fire that will never be extinguished.

…انطفأ الوهم

لم يكن قرار التخلِّي وليد لحظة غضب، ولا نتيجة انفعال عابر، بل جاء كخاتمة هادئة لحكاية طويلة من الصبر والتغاضي والتماس الأعذار. جاء كإدراك مُفاجئ، كطلوع شمس في ليلٍ دامس، يكشف أمام عينيها حقيقة كانت تُنكرها طويلًا

عندما ترى الصورة من كل الزوايا، عندما تفهم أن التضحية ليست كافية لتُبقي أحدًا، وأن الاحتمال لا يعني التقدير، تُدرك أن الكفّة لم تكن يومًا متوازنة، وأنها لن تتوازن مهما انتظرت. كانت تعطي، تمنح، تصبر، تتغاضى، تُبرِّر، وتُطفئ الحرائق في قلبها كي لا يحترق الآخرون، لكن في المقابل؟ تهميشٌ بارد، قلة اهتمام، كأن وجودها أو عدمه لا يُحدث فرقًا

في لحظة الإدراك تلك، تتغيّر المشاعر كما لو أن قلبها كان واقفًا على حافة هاوية، وقرّرت فجأة أن تخطو للخلف بدلاً من السقوط. لم يعد هناك ذاك الحنين الذي كان يخنقها كلما حاولت الرحيل، لم يعد هناك التعلُّق الذي كان يجرّها رغم كل الأوجاع. الأمر ليس أنها كرهت، بل أنها أفاقت

وهذا هو الإدراك القاسي، أنه لا مجال للتراجع. أن المشاعر التي تموت بفعل الوعي لا تُبعث من جديد، لأنها لم تمت بفعل الغضب أو الحزن، بل ماتت لأنها استنفدت كل أسبابها. يصبح الرحيل عندها شفاءً، يصبح النجاة الوحيدة التي لم تكن تراها وهي غارقة في انتظار ما لن يأتي

وعندما تسير في طريقها، لن تلتفت. لن تبحث عن بقايا، لن تنتظر التفاتة أخيرة. ستدرك حينها أنها لم تترك أحدًا خلفها، بل تركت وهمًا كانت تحمله في قلبها، وأخيرًا، تحررت منه

Filled Under: Thoughts

…حين أغمضت عينيها

كانت تظن نفسها قوية. ظنت أنها لا تحتاج إلى أحد، وأن الأيام صقلتها بما يكفي لتسير وحدها، لا تلتفت، لا تنتظر، لا تتكئ. تعلّمت كيف تكون رجل نفسها، كيف تقف في وجه الحياة حين تقسو، وكيف تربت على قلبها إن خانها الأمان. كانت تعرف أن لا أحد سيأتي لينتشلها إن غرقت، فتعلمت كيف تسبح ضد التيار، وكيف تخفي ارتجاف يديها حين يداهمها الحنين

لكن في أعماقها، كانت تعرف أنها تكذب على نفسها

كانت تتظاهر بالقوة، لكنها كانت تحلم بأن تغمض عينيها يومًا وتترك لأحدهم دفة القيادة. أن تسمح لشخص ما بأن يكون حضنها حين تشتد عليها الوحدة، ويدها حين يرهقها الطريق. لكنها لم تكن تريد أي رجل. لم تكن تحتاج إلى من يفرض نفسه وصيًا عليها، أو من يظن أن الأنوثة ضعفٌ يحتاج إلى حماية. كانت تحتاج إلى رجلٍ يجعلها ترغب في أن تكون ضعيفة معه، لا لأنها مجبرة، بل لأنها أخيرًا وجدت من يستحق أن تُسلمه قلبها دون خوف

وحين وجدته، اكتشفت حقيقتها لأول مرة

لم تكن تلك القوية كما ظنّت، لم تكن بحاجة إلى دروعها كما اعتادت. كانت امرأة، بكل هشاشتها الجميلة، بكل رقّتها التي أخفتها لسنوات، بكل أحلامها الصغيرة التي خبأتها خشية أن تسخر منها الأيام. وجدت نفسها أمامه كطفلة تروي له أسرارها، تبوح بمخاوفها، تغفو على صوته مطمئنةً كمن عاد إلى منزله بعد سنواتٍ من الضياع

معه، لم تعد بحاجة إلى التصنّع، إلى حساب خطواتها، إلى حمل كل شيء على عاتقها. معه، عرفت أن القوة ليست في القدرة على السير وحدها، بل في أن تجد يدًا تشد على يدها وتطمئنها أن بوسعها أن تستريح. أن هناك من سيكون بجانبها مهما اشتدت العواصف، وأنها ليست بحاجة إلى أن تكون بطلةً طوال الوقت

أغمضت عينيها أخيرًا، ولم تخف. لم تفكر في الغد، ولا في الاحتمالات. لم تخشَ أن تنهار، لأنها كانت تعرف أن هناك من سيحتويها إن فعلت. للمرة الأولى، لم تعد تقاوم، لم تعد تحارب، لم تعد تبحث عن مبررٍ لتكون كما هي

Filled Under: Thoughts