كسب معركة، خسارة الحرب

نحن لا نحيا، بل نؤدي أدوارنا في مسرح الحياة، نمضي أيامنا على خشبة الأيام كأننا مقاتلون في معركة لا نعرف متى بدأت ولا كيف ستنتهي. سبعة أيام في الأسبوع، أربع عشرة ساعة في اليوم، ونحن نخوض حربًا مع أنفسنا، مع الآخرين، مع الأقدار التي تختبر صبرنا. نظن أننا نتحكم في مصائرنا، لكننا في الحقيقة نسير وفق سيناريو لم نكتبه، ونكرر مشاهد لم نخترها. نعيش في ظلال أحلامنا القديمة، نتشبث بانتصارات صغيرة، ونخوض معارك أكبر مما تحتمله قلوبنا

رقم واحد—دائمًا احسب النقاط. لأننا كُتب علينا أن نعيش في عالم يحصي انتصاراتنا وهزائمنا كما لو أننا نُولد بميزان دقيق يزن لحظات الفرح والحزن. احسب اللحظات التي انتصرت فيها على يأسك، التي سقطت فيها ولكنك نهضت رغم كل شيء. احسب الليالي التي بكيت فيها وحيدًا ولم يسمعك أحد، لكنك استيقظت في الصباح وأكملت المسير

رقم اثنين—افعل كل ما بوسعك لتتفوق على العدو، لكن ماذا لو كان العدو هو أنت؟ ماذا لو كنت أنت من يضع العراقيل أمامك؟ أنت من يُفشل نفسه بنفسه خوفًا من النجاح؟ ماذا لو كانت الحرب الحقيقية تدور داخلك، بين رغبتك في الحياة وخوفك منها؟

رقم ثلاثة—لا تصادق الخصم. لكن ماذا لو كان الخصم هو الشخص الذي تحبه؟ ماذا لو وجدت نفسك في معركة مع القلب والعقل، مع الحنين والنسيان، مع الذكريات التي تأبى أن تذهب؟

رقم أربعة—كل شيء… كل شيء هو منافسة. ننافس في الحب، في النجاح، في الحزن حتى. نريد أن نكون الأكثر حبًا، الأكثر ألمًا، الأكثر إخلاصًا، الأكثر ظلمًا. نظن أن الحياة سباق، لكننا لا ندري أننا في الحقيقة نركض نحو هاوية لا نهاية لها. نربح المعارك الصغيرة، لكننا نخسر أنفسنا في الطريق

ولكن لا أحد يخبرك بالحقيقة، الحقيقة التي لا يكتشفها الإنسان إلا بعد أن يخسر الكثير. هناك قاعدة خامسة لا يتحدث عنها أحد—الأمر لا يتعلق بالسباق على الإطلاق. لا يوجد خط نهاية، لا توجد جوائز، لا يوجد فائزون. نحن جميعًا مجرد مسافرين نحمل فوق أكتافنا أمتعة أثقل من أرواحنا. نسير في طرق لم نخترها، ونبحث عن نهايات سعيدة في قصص ليست لنا

الانتصارات الحقيقية لا تُقاس بعدد المعارك التي خضناها، ولا بعدد المرات التي تفوقنا فيها على غيرنا. الانتصارات تُقاس بالقلوب التي أحببناها دون خوف، بالأرواح التي ضمدنا جراحها دون مقابل، باللحظات التي اخترنا فيها السلام بدلاً من الحرب. لأن الحياة ليست ساحة معركة، بل رحلة. والذكي ليس من يربح المعارك، بل من يعرف متى يترك سلاحه جانبًا، متى يتوقف عن القتال، متى يرفع راية السلام ويختار أن ينقذ نفسه من حرب لا نهاية لها


Leave a Reply

You can add images to your comment by clicking here.

Filled Under: General, Thoughts