لا قداسة لشيءٍ يجعلني ضعيفة

لم أكن يومًا ممن يرفعون راية الحبّ كأنها دينٌ سماوي، ولم أؤمن بأنّ الصداقة وطنٌ أُقاتل لأجل بقائه. هذه الأشياء ليست أكثر من موجات عابرة، تأخذنا حين نريد أن نغرق، وتقذفنا إلى الشاطئ حين نصير عبئًا عليها. الحبّ؟ الصداقة؟ لطالما كانت مجرّد وهمٍ جميل، زينةٌ عاطفية نجمّل بها حياتنا، لكنني لم أخدع نفسي يومًا بفكرة القداسة، فأنا لا أقدّس شيئًا يجعلني ضعيفة، ولا أتمسك بشيءٍ يحتاج منّي رجاءً للبقاء

أنا امرأةٌ واضحةٌ كالشمس، صريحةٌ حدَّ القسوة. لا أُجيد لعبة الأقنعة، ولا أمارس طقوس التزييف. إن أمسكتَ يدي، أمسكتُ يدك بقوة، لكن لا تختبر قدرتي على النسيان، فأنا لا أقاتل من أجل يدٍ اختارت أن تُفلتني. إن سألتَ عني، كنتُ معك، وإن غبتَ، لن أبحث عنك في الأزقة المعتمة، ولن أعلّق روحي على جدار الانتظار. أنتَ لم تكن سوى ظلٍّ مرّ، وأنا لا أبني حياتي على الظلال

كنتَ يومًا نجمًا في سمائي، لكنني امرأةٌ تؤمن أن للنجوم عمرًا محددًا، وأنّها تموتُ كما يموتُ كلّ شيءٍ حين ينتهي دوره في الحياة. هل أحببتُك؟ نعم. هل كنتَ مهمًّا؟ ربما. هل ستصبح ندبةً في الذاكرة؟ لا، فالندوب تبقى، وأنتَ رحلت

أنا لا أقدّس شيئًا يجعلني ضعيفة، ولا أنحني لذكرى كانت يومًا سببًا في انكساري. لا أطلب منك وعدًا، ولا أريد منك عهودًا، فأنا لا أحتاج قسمًا لأبقى، ولا أحتاج خذلانًا لأرحل. كلّ ما في الأمر أنني لا أقبل بأنصاف المشاعر، ولا أعيش على بقايا اهتمام. إمّا أن تكون معي بكلّك، أو تغيب بكلّك، لكن لا تطلب مني أن أكون شيئًا وسطًا بين الذكرى والنسيان

أنا من أولئك الذين يرحلون بكامل أناقتهم، الذين يبتسمون عند النهاية، ليس لأنّهم لا يشعرون بالحزن، ولكن لأنّهم يدركون أن كل شيء في هذه الحياة قابلٌ للذبول. كنتَ ربيعًا عابرًا، زهرةً تفتّحت في حديقة عمري ثم سقطت أوراقها مع أول ريح خذلان. كنتَ لحظة دفء، لكنني لستُ من النساء اللواتي يعشن على بقايا حرارة

أنا لا أقدّس شيئًا يجعلني ضعيفة، ولا أخاف الفراغ الذي يخلّفه الغياب. فأنا امرأةٌ تعرف كيف تملأ نفسها بذاتها، كيف تضيء عتمتها دون استعارة نور أحد. كل ما كان بيننا سيبقى مجرد حكاية جميلة، تُروى يومًا على هامش العمر، ثم تُنسى كما يُنسى كل شيءٍ لم يُكتب له أن يكون خالدًا


Leave a Reply

You can add images to your comment by clicking here.

Filled Under: General, Thoughts