صبر
لم يعد لديّ صبر على العلاقات التي تُستنزف فيها روحي دون مقابل، على الأحاديث المكررة التي لا تحمل عمقًا، على الوجوه التي تبتسم بغير صدق، والكلمات التي تُقال بلا إحساس. لم أعد أجد لذةً في مجاملة لا تعنيني، ولا في محاولات إرضاء من لا يهمني رضاهم. لم أعد أخشى خسارة من لا يخشى خسارتي، ولم أعد أركض خلف من لا يلتفت لي
لقد تعبت من تبرير غيابي لمن لا يسأل، ومن تفسير مشاعري لمن لا يهتم، ومن وضع نفسي في أماكن لم أعد أشعر بالانتماء إليها. تعبت من الانتظار على أبواب القلوب المغلقة، ومن مدّ يدي لمن لا يعرف كيف يمسكها. تعبت من العلاقات التي تستهلكني بدل أن تحتويني، ومن الوعود التي لا تأتي إلا متأخرة، حين يصبح الإحساس بها باهتًا، وكأنها لم تكن
أنا لا أريد حبًا يحتاج إلى إثبات مستمر، ولا اهتمامًا مشروطًا بمزاج الآخر. لا أريد أن أتعلّق بأحد ثم أضطر لاحقًا إلى فكّ أصابعي عنه بصعوبة، وكأنني أُجرّد نفسي من جزء مني. لا أريد أن أكون خيارًا ثانيًا، ولا فكرة مؤجلة، ولا اسمًا يُذكر فقط عند الحاجة
لقد وصلت إلى تلك المرحلة من الحياة التي أدركت فيها أن الوقت أغلى من أن يُنفق على من لا يُقدّره، وأن الصبر طاقة لا تُمنح إلا لمن يستحقها. لم يعد في قلبي متسع لمن يتلاعب بالمشاعر، لمن يمارس الغياب عمدًا، لمن يبيع الوهم على هيئة وعود كاذبة. لا أريد أن أقضي أيامًا أخرى في تفسير أفعالي لمن لا يفهمني، ولا أن أُبرّر إحساسي لمن لم يشعر بي يومًا
أنا الآن أبحث عن البساطة، عن النقاء، عن العلاقات التي لا تُشعرني أنني في معركة يومية للحفاظ عليها. أبحث عن الأحاديث التي تلامس روحي، عن العيون التي تقول الحقيقة دون خوف، عن الحب الذي لا يُشعرني بالحيرة. أريد ذلك الدفء الذي يأتي بلا حسابات، ذلك الحضور الذي لا يحتاج إلى تأكيد، تلك الطمأنينة التي تأتي من معرفة أنني في قلب أحدهم دون أن أضطر إلى السؤال كل مرة
لم أعد أطيق التظاهر، ولا أنصاف المشاعر، ولا اللحظات التي تُشعرني بأنني غريبة وسط من يُفترض أنهم قريبون. لم أعد أريد أن أكون قوية دائمًا، ولا أن أكتم خوفي، ولا أن أخفي حزني حتى لا أبدو ضعيفة. أريد أن أكون أنا، بكل ما فيّ من شغف، بكل ما فيّ من حاجة لأن أُحب وأُحَب، بكل ما فيّ من رغبة في أن أجد الحب الذي لا يخاف أن يكون واضحًا، الذي لا يخشى أن يكون حاضرًا
إنني لم أصبح مغرورة، لكنني أصبحت أكثر انتقائية. لم أعد أفتح أبوابي للجميع، ولم أعد أخشى الوحدة كما كنت أفعل. الوحدة الحقيقية ليست في غياب الآخرين، بل في وجودهم دون إحساس، في بقائهم دون دفء، في امتلاء الحياة بالضجيج بينما القلب خالٍ من أي صدى حقيقي
تعلمت أن الحياة قصيرة، وأنني لن أهدر لحظة أخرى مع من لا يستحق وجودي. من يريد أن يكون هنا، فليكن بحبٍ واضح، بصدقٍ كامل، بدون ألعاب، بدون أعذار، بدون وجوه مزدوجة. ومن لا يستطيع، فله طريقه، ولي طريقي، ولن ألتفت خلفي
أنا اليوم أكثر هدوءًا، أكثر راحة، أكثر قناعة بأن الحب ليس ركضًا خلف أحد، ولا الصداقة تكلّفًا، ولا الاحترام اختيارًا. أنا اليوم أقرب إلى نفسي، وهذا أكثر من كافٍ