…انطفأ الوهم
لم يكن قرار التخلِّي وليد لحظة غضب، ولا نتيجة انفعال عابر، بل جاء كخاتمة هادئة لحكاية طويلة من الصبر والتغاضي والتماس الأعذار. جاء كإدراك مُفاجئ، كطلوع شمس في ليلٍ دامس، يكشف أمام عينيها حقيقة كانت تُنكرها طويلًا
عندما ترى الصورة من كل الزوايا، عندما تفهم أن التضحية ليست كافية لتُبقي أحدًا، وأن الاحتمال لا يعني التقدير، تُدرك أن الكفّة لم تكن يومًا متوازنة، وأنها لن تتوازن مهما انتظرت. كانت تعطي، تمنح، تصبر، تتغاضى، تُبرِّر، وتُطفئ الحرائق في قلبها كي لا يحترق الآخرون، لكن في المقابل؟ تهميشٌ بارد، قلة اهتمام، كأن وجودها أو عدمه لا يُحدث فرقًا
في لحظة الإدراك تلك، تتغيّر المشاعر كما لو أن قلبها كان واقفًا على حافة هاوية، وقرّرت فجأة أن تخطو للخلف بدلاً من السقوط. لم يعد هناك ذاك الحنين الذي كان يخنقها كلما حاولت الرحيل، لم يعد هناك التعلُّق الذي كان يجرّها رغم كل الأوجاع. الأمر ليس أنها كرهت، بل أنها أفاقت
وهذا هو الإدراك القاسي، أنه لا مجال للتراجع. أن المشاعر التي تموت بفعل الوعي لا تُبعث من جديد، لأنها لم تمت بفعل الغضب أو الحزن، بل ماتت لأنها استنفدت كل أسبابها. يصبح الرحيل عندها شفاءً، يصبح النجاة الوحيدة التي لم تكن تراها وهي غارقة في انتظار ما لن يأتي
وعندما تسير في طريقها، لن تلتفت. لن تبحث عن بقايا، لن تنتظر التفاتة أخيرة. ستدرك حينها أنها لم تترك أحدًا خلفها، بل تركت وهمًا كانت تحمله في قلبها، وأخيرًا، تحررت منه