…حين أغمضت عينيها

كانت تظن نفسها قوية. ظنت أنها لا تحتاج إلى أحد، وأن الأيام صقلتها بما يكفي لتسير وحدها، لا تلتفت، لا تنتظر، لا تتكئ. تعلّمت كيف تكون رجل نفسها، كيف تقف في وجه الحياة حين تقسو، وكيف تربت على قلبها إن خانها الأمان. كانت تعرف أن لا أحد سيأتي لينتشلها إن غرقت، فتعلمت كيف تسبح ضد التيار، وكيف تخفي ارتجاف يديها حين يداهمها الحنين

لكن في أعماقها، كانت تعرف أنها تكذب على نفسها

كانت تتظاهر بالقوة، لكنها كانت تحلم بأن تغمض عينيها يومًا وتترك لأحدهم دفة القيادة. أن تسمح لشخص ما بأن يكون حضنها حين تشتد عليها الوحدة، ويدها حين يرهقها الطريق. لكنها لم تكن تريد أي رجل. لم تكن تحتاج إلى من يفرض نفسه وصيًا عليها، أو من يظن أن الأنوثة ضعفٌ يحتاج إلى حماية. كانت تحتاج إلى رجلٍ يجعلها ترغب في أن تكون ضعيفة معه، لا لأنها مجبرة، بل لأنها أخيرًا وجدت من يستحق أن تُسلمه قلبها دون خوف

وحين وجدته، اكتشفت حقيقتها لأول مرة

لم تكن تلك القوية كما ظنّت، لم تكن بحاجة إلى دروعها كما اعتادت. كانت امرأة، بكل هشاشتها الجميلة، بكل رقّتها التي أخفتها لسنوات، بكل أحلامها الصغيرة التي خبأتها خشية أن تسخر منها الأيام. وجدت نفسها أمامه كطفلة تروي له أسرارها، تبوح بمخاوفها، تغفو على صوته مطمئنةً كمن عاد إلى منزله بعد سنواتٍ من الضياع

معه، لم تعد بحاجة إلى التصنّع، إلى حساب خطواتها، إلى حمل كل شيء على عاتقها. معه، عرفت أن القوة ليست في القدرة على السير وحدها، بل في أن تجد يدًا تشد على يدها وتطمئنها أن بوسعها أن تستريح. أن هناك من سيكون بجانبها مهما اشتدت العواصف، وأنها ليست بحاجة إلى أن تكون بطلةً طوال الوقت

أغمضت عينيها أخيرًا، ولم تخف. لم تفكر في الغد، ولا في الاحتمالات. لم تخشَ أن تنهار، لأنها كانت تعرف أن هناك من سيحتويها إن فعلت. للمرة الأولى، لم تعد تقاوم، لم تعد تحارب، لم تعد تبحث عن مبررٍ لتكون كما هي


Leave a Reply

You can add images to your comment by clicking here.

Filled Under: Thoughts