جراحات تجميل للروح… حين يصرخ القلب من قبح لا يُرى
في زمنٍ صارت فيه المرايا تعرف أكثر مما يعرفه القلب عن وجهه، نحتاج إلى جراحاتٍ لا تُجرى بالمشرط، بل بالحقيقة.
هناك وجوهٌ تتجمّل كل صباحٍ بكريمات الوهم، تُخفي بثور الخيانة بألوان الخداع، وتُلبس الابتسامات المصنوعة كما يُلبس العطر على جلدٍ لا يغتسل.
ولكن المصيبة لم تكن يومًا في الوجوه، بل في النفوس التي تلبسها.
أجل، ثمة أناسٌ لا تنفعهم عيادات التجميل مهما اتسعت، لأن عيوبهم ليست في تقاسيمهم، بل في أعماقهم.
قلوبهم صغيرةٌ لا تتسع حتى لهم، فكيف تتسع للآخرين؟
ضمائرهم ذابلة كأوراق الخريف، تحتاج إلى من ينفخ فيها الحياة كما تنفخ الروح في جسدٍ غادره النبض.
عقولهم مترهلة، تتدلّى من جفونها أفكارٌ كسلانة، لا تقوى على النهوض فوق منصة العقلانية.
وفي دمائهم تسكن شوائب حقدٍ موروث، يتكاثر فيهم كما تتكاثر الخلايا السرطانية، بلا رحمة ولا شفاء.
آهٍ لو فُتِحت في هذا العالم عياداتٌ لتجميل النفس…
تُجري عمليات تكبيرٍ للقلوب التي ضاقت حتى اختنق فيها الحب،
وشدًّا لعقولٍ ترهّلت من طول السكون،
وشفطًا للأحقاد التي تراكمت كدهون سوداء على ناصية الروح،
وتكبيرًا للضمائر التي أصبحت كالنقطة، لا تكاد تُرى،
وتفتيتًا لخلايا الشر التي تنام خلف ابتسامةٍ وديعة، وتصحو كذئبٍ في عتمة.
في زمنٍ يُصنَع فيه الجمال من الخارج ويُهمل من الداخل،
نحتاج إلى مشرط شاعر، لا يُحدث جرحًا بل يرمّم الندوب،
إلى جرّاحٍ يُغنّي وهو يشقّ طبقات القلب،
إلى يدٍ تلمس النفس لا الجسد،
إلى علمٍ يعالج النقص لا يُخفيه،
إلى حبٍّ، ذلك الطبيب الوحيد الذي لا يرتدي معطفًا أبيض،
لكنه يشفي، إذا صدق.
يا من تسيرون بيننا بأجسادٍ كاملة ونفوسٍ مبتورة،
ألا تخجلون من قلوبٍ اختارت أن تحبّكم رغم فوضاكم؟
ألا تؤلمكم المرايا حين تنعكس فيها أرواحكم، لا وجوهكم؟
لقد تعبت الأرض من خطاكم، لأن أرواحكم أثقل من خطاياكم.
وأرهقتم السماء بدعواتٍ لا تليق إلا بمن يحملون في داخلهم سلامًا لا يتأذى به أحد.
ما أجمل لو أن الإنسان، قبل أن يركض إلى عيادات التجميل،
وقف أمام نفسه عاريًا من الأعذار،
وسألها: من أنا حين أُطفئ الضوء، ولا يبقى غيري معي؟
هل أستحق أن يُحَبّني أحد؟
هل قلبي بيتٌ أم ساحة حرب؟
هل ضميري حيٌّ أم أعيش بجثة شعور؟
يا ليتنا نعرف، أن بعض الجراح لا تُرى،
لكنها تؤلم أكثر من كسور العظام،
وأن بعض التجميل لا يُصنع من سيليكون،
بل من دمعة ندم، من قبلة اعتذار، من نظرة فهم.
يا ليتنا نُدرّس أبناءنا في المدارس:
كيف يكون القلب واسعًا، لا يتورّم بالحقد،
كيف تكون الكلمة بلسمًا لا خنجرًا،
كيف نُحبّ الناس كما نحبّ المرايا النظيفة، التي تعكسنا دون تزوير.
ففي النهاية…
ليس الجمال أن تكون ملامحك مرسومة بدقة،
بل أن لا تُسبّب جروحًا لمن يراك من الداخل.
فابحث عن طبيب نفس، لا طبيب جلد.
عن ابتسامة صادقة، لا بياض أسنان.
عن رائحة روح، لا عطرٍ باهظ الثمن.
لعلّك، حين تُجرِي تلك العمليات الروحية،
تصير جميلًا حقًا…
جميلًا بما يكفي لأن يُقال عنك:
“مرَّ من هنا، ولم يُؤذِ أحدًا.”