“الرصيد الذي لا يُرى”

في بدايات الحب
لا أحد يخبرنا أن العلاقات تشبه دفاتر البنوك القديمة، تلك التي كانت تُسجّل فيها الديون بالقلم، لكن تُسدد بالدموع.لا أحد يُخبرنا أن القلب له رصيد، لا يُحسب بما نأخذ فقط، بل بما نمنح، وبما نصمت عنه حينًا، وبما نختار أن نغفره مرةً بعد مرة… إلى أن لا يبقى فينا متّسعٌ للغفران

الرصيد ليس كذبة، بل هو تلك المساحة الخفية التي نُخزّن فيها الخذلان، نرتّب فيه الخيبات كما نرتّب ملابس الشتاء في موسم لا يأتي

الرصيد، يا من أحببتك، لا يُبنى بكلمة “أحبك”، بل يُبنى عندما تقولها ويدي على قلبي لا ترتجف من شكّ، ولا تنقبض من خوف
يُبنى حين لا تتركني أُصارع حزني وحدي، بينما تتظاهر أنك تراقبني من بعيد “لتُربّيني”… كأن الحبّ مدرسة وأنت أستاذ صارم

يعاقب طلابه على التعبير

الرصيد يتآكل
حين تُصبحَ العتابات موسيقى مكرّرة لا تُؤثّرك، بل تُمِلّك

حين أقول لك “أنا تعبت”، فتردّ بهدوء من لم يسمع، ومن لم ينوِ يومًا أن يُغيّر شيئًا في أسلوبه

الرصيد يتبخّر
حين تتركني في المنتصف، لا أمسك يدك، ولا أستطيع الرجوع
حين تتقلّب مزاجاتك كطقس المدن الساحلية، لا أعلم أألبس قلبي معطفًا ثقيلًا أم أتركه عاريًا للشمس التي لا تأتي؟
حين تتصرّف كأنك وحدك في العلاقة، وأنا مُجبرة على فهمك، وتأويلك، والصبر عليك، وكأنك نيزك عابر يستحق أن تنتظره الأرض مرة كل ألف عام

الرصيد، يا أنت
ينتهي حين لا تعود تسأل: “هل أنت بخير؟”
حين تتغيّر ملامحك، ولهجتك، وطريقتك، وتظن أنني لا ألحظ
لكني ألحظ، وأصمت، لأن من يحبّ يتغافل، ويتجمّل، ويتجاهل
إلى أن يأتي يوم، لا يعود فيه التغافل حُبًا، بل غباء

الرصيد ينفد
حين لا يكون لغيابك سبب، ولا لبرودك مبرر، ولا لصمتك تفسير
حين تفتح يدك على الحبّ وتغلقها على الخوف
حين تقول لي: “أنتِ الوحيدة في قلبي”… لكن تصرّفاتك تؤكّد أنني مجرد خيار، لا أكثر

الرصيد لا تستهلكه الكوارث، بل التفاصيل الصغيرة
نظرة باردة في لحظة انتظار
كلمة قاسية في وقت انكسار
غياب مفاجئ في منتصف الحاجة
إلحاح على الكذب رغم وضوح الحقيقة

أنا لا أطلب معجزات
فقط أن يكون لوجودي وزن، ولوجعي قيمة، ولصمتي سببٌ مفهوم
لا أطلب أن تُحسن إليّ كل يوم، فقط ألا تُسيء
ألا تستبدل حضوري بالاعتياد، ولا تحوّل محبتي إلى ملحق في قائمة أولوياتك

هل تعلم؟
الحبّ العظيم لا يُبنى على الجُمل المنمقة، بل على ردود الأفعال عند الغضب، على حرصك ألّا تتركني معلّقة بين ما كان وما سيكون
على خوفك من أن تفقدني، لا على افتراضك أنني لن أرحل

فأنا لا أُغادر في لحظة جنون، بل في لحظة وعي
حين أدرك أنني كنت أُحبك أكثر مما تُحبّك أنت
وأنني كنتُ أسامحك عن أشياء لو فعلتها بي الحياة، لَكنتُ انتقمت

حينها، لا تنادي الحبّ القديم كأنّه ضالّ
ولا تسأل: “أين ذهبتِ؟
فالرصيد… لا يُعاد شحنه حين ينفد
بل يُدفن مع كل محاولاتي في إنقاذك من نفسك


Leave a Reply

You can add images to your comment by clicking here.

Filled Under: General, Thoughts