الغرفة التي لا يدخلها أحد
نحن نكتب حتى لا نختنق بالصمت، لكننا أحيانًا نكتب حتى يغرقنا الحرف، حتى نضيع بين السطور كمن يتوه في متاهة بلا مخرج. نكتب لنهرب من صخب أرواحنا، من جلبة الذكريات التي لا تهدأ، لكننا نكتشف بعد كل جملة أننا لم نقل شيئًا، وأن ما في القلب أكبر من أن يُحكى
لكل منا غرفة مغلقة في داخله، غرفة لا يطرق بابها أحد، حتى نحن نخشى الدخول إليها، نخشى أن نتكئ على جدرانها فينهار بنا كل ما حاولنا أن نُبقيه صامدًا. في تلك الغرفة، تسكن الأحلام التي لم تتحقق، والرسائل التي لم تُرسل، والوجوه التي عبرت حياتنا ثم رحلت دون وداع
هناك، حيث يقبع صمت يصرخ بأكثر مما تستطيع الكلمات أن تصفه، حيث تتكدس التفاصيل التي لا نبوح بها حتى لأنفسنا، لأن مواجهتها تعني أن نعترف بضعفنا، بجرحنا الذي ما زال ينزف رغم كل الضحكات التي نوزعها في وجوه الآخرين
الهدوء ليس دائمًا راحة، أحيانًا يكون سجنًا. أن تصمت وأنت ممتلئ بالحكايا يشبه أن تكون غريقًا في بحر بلا شاطئ، أن تمتلئ رئتاك بالكلمات، لكنك لا تملك القدرة على لفظها. كم من صامتٍ حمل في قلبه حروبًا كاملة، وكم من هادئٍ كان في داخله إعصارٌ لم يره أحد
نحن لا نعيش الحياة التي يراها الآخرون فينا، نحن نسكن عوالم مختلفة، نؤدي أدوارًا لا تشبه حقيقتنا، نمشي بين الناس بأرواح منهكة لا يلاحظونها، نرتب ملامحنا كل صباح لنبدو بخير، بينما في داخلنا ضجيج لا يهدأ. كم مرة أخبرنا أحدهم “أنت بخير، تبدو سعيدًا”، فابتسمنا رغم أننا كنا في قمة التيه؟ كم مرة أخفينا دمعنا في زوايا أعيننا لأننا لم نعد نثق بأن هناك من سيحتوي حزننا؟
هناك قصص نخفيها لأننا نعلم أن لا أحد سيفهمها كما نشعر بها، وهناك مشاعر نصمت عنها لأننا ندرك أن التعبير عنها لن يغير شيئًا. هناك وجع يفضحنا حين نكتب، لكنه لا يُقال، وهناك غصات تبقى في الحلق كأغنية لم تكتمل، كحلم استيقظنا قبل أن نعيشه
فلا تغتروا بصمت أحد، فقد يكون صمته ضجيجًا يعجز الكون عن استيعابه، ولا تظنوا أن كل من ابتسم سعيد، فهناك من يضع ابتسامته كحاجز بينه وبين أسئلتكم. نحن لا نكذب حين نقول “أنا بخير”، لكننا ببساطة لا نملك طاقة الشرح، ولا رغبة في أن نفتح تلك الغرفة المغلقة، لأنها إن فُتحت، لن تُغلق أبدًا