الذين يدركون كثيرًا، يحزنون كثيرًا
كلما اتسعت عيناك على العالم، ضاقت بك الحياة. كأن الإدراك لعنة يتوارثها الحالمون الذين لم يتعلموا فن التغافل، ولم ينجحوا في خداع قلوبهم كما يفعل السعداء. أنت لا تحتاج إلى دليل على أن الوعي وجع، كل ما عليك هو أن تنظر إلى روحك في المرآة… هل رأيت هذه التجاعيد الصغيرة على جدران قلبك؟ هذه ندوب الإدراك
الحياة لا تكافئ الذين يفهمونها، بل تمضي بهم كريح عاتية، تُحملهم إلى حيث لا يريدون، ثم تتركهم هناك، غرباء حتى عن أنفسهم. أولئك الذين يملكون وعياً زائداً يشبهون المسافرين بلا وجهة، يحملون حقائب ممتلئة بالأسئلة، يفتحونها في كل محطة، فلا يجدون سوى الفراغ
الحب؟ حتى الحب عندهم لا يشبه حب الآخرين. لا يقع فيهم كقدر جميل، بل كألم ناعم يتسلل بين ضلوعهم، يسكنهم ولا يسكنونه. يحبون بحدة، كأنهم يريدون امتصاص الحياة من العيون، من اللمسات، من الكلمات التي تُقال بلا انتباه. ثم، عندما لا يجدون في الحب ملاذًا من الوعي، يغادرون بصمت، لأنهم يعلمون أن العالم لا يحتمل من يضع قلبه في كل شيء
إنهم الذين يبتسمون وفي أعماقهم خريف، الذين يعبرون الشوارع وكأنهم يمشون فوق خيط رفيع بين الحلم والحقيقة. يسهرون لأن النوم خيانة، لأن الليل هو اللحظة الوحيدة التي لا يحتاجون فيها إلى التظاهر بأنهم بخير
ولكن، أليس من الأجمل لو كانوا أقل وعياً؟ لو استطاعوا أن يعيشوا كالأشجار، تنحني للريح ولا تفكر في فلسفة العاصفة؟ لو كانوا كالأطفال، يبكون لأن لعبتهم ضاعت، لا لأنهم فقدوا جزءًا من أنفسهم وهم يبحثون عن معنى الأشياء؟
أقسم لكم، لو كان الجهل وطنًا، لكنتُ أول من يطلب اللجوء. لكن المشكلة ليست في أنني أُدرك، بل في أنني لا أستطيع التوقف عن الإدراك. أفهم أكثر مما يجب، وأشعر أكثر مما ينبغي، وأحب أكثر مما يحتمل القلب
وهذا… يا صديقي، أقسى ما يمكن أن يكون